الثلاثاء، 28 فبراير 2012

تحليق ~ اللطيف


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

حيَّ الله قلوباً أحببناها () 
نتمنى من الله أن تكونوا بأحسن حال و أفضله .. 

بإذن الله يا أكارم سيكون تحليقنا في هذه الظهيرة مع اسم الله ( اللطيف ) ،
ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد في الأمر .. 

.
.

( اللطيف ) 

هو صفة لله واسم من أسماءه الحسنى ، قال ابن منظور : {اللطيف بعباده} وفـيه : {وهو اللطيف الخبير} أي : الرفـيق بعباده .
وقال أَبو عمرو : اللطيف الذي يوصل إِلـيك أَربك فـي رِفْق ، واللُّطفُ : التوفـيق والعِصمة . 
وقال ابن الأثير : اللطيف هو الذي اجتمع له الرفق فـي الفعل والعلم بدقائق المصالح وإيصالها إلى من قدرها له من خلقه .

وورد هذا الاسم في القرآن سبع مرات منها : {لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير} 
{ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير{

ينتظم هذا الاسم في حق الله إلى ثلاثة معاني :

١. /  اللطيف : بعباده الرفيق بهم الذي يوصل إليهم مصالحهم بالطرق الخفية .

قال ابن سعدي : ومن لطفه أنه يسوق عبده إلى مصالح دينه ، ويوصلها إليه بالطرق ، التي لا يشعر بها العبد ، ولا يسعى فيها
ويوصله إلى السعادة الأبدية ، والفلاح السرمدي ، من حيث لا يحتسب . 

وقال ابن القيم: الذي يوصل الرحمة لعباده بالطرق الخفية . 

وقال البغوي في تفسيره : الرفيق بعباده ، وقيل : اللطيف الموصل الشيء باللين والرفق . 

 2 ./ اللطيف : الذي لطف علمه ودق حتى أحاط بالخفيات من الأمور . 

قال ابن سعدي : اللطيف الذي يدرك بواطن الأشياء ، وسرائرها .

وقال الشوكاني في تفسير : {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء..إن الله لطيف خبير} "إن الله لطيف لاتخفى عليه خافية ،
بل يصل علمه إلى كل خفي .

 وقال ابن كثير في تفسيرها : أي عليم بما في أرجاء الأرض وأقطارها وأجزائها من الحب وإن صغر , ولا يخفى عليه خافية . 

3. / اللطيف : الذي لطف عن أن يحاط به أو يدرك بالكُنه والكيفية . 

يقول تعالى : {لا تُدركه الأبصار*وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير} فقد احاط سبحانه بجميع الموجودات ،
ولم يحط به علما احد من خلقه ، وإن علموا شيئا من اسماءه وصفاته ، مما تفضل عليهم بتعليمهم إياه إلا أنهم لم
يعلموا حقائقها، ولا كنه ذاته العلية تعالى وتعاظم سبحانه .

إذاً هي ثلاث معاني لاسمه " اللطيف " : 

* بعباده الرفيق بهم الذي يوصل إليهم مصالحهم بالطرق الخفية . 
* الذي لطف علمه ودق حتى أحاط بالخفيات من الأمور .
* الذي لطف عن أن يحاط به أو يدرك بالكُنه والكيفية . 

 الآثار الإيمانية لأسمه اللطيف :

1. / الإيمان به وإثبات ما تضمنه من وصوف الجمال والجلال والعظمة ، بلا تعطيل او تحريف ولا تمثيل أو تكييف .

2. / الإيمان بعظيم علم الله تعالى فلا يخفى عليها من المعلومات شيء وإن دقت وخفيت ولطفت ، قال تعالى : 
}وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض
ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين}
قال ابن سعدي : هذه من أعظم الآيات تفصيلا لعلمه المحيط وأنه شامل للغيوب كلها،التي يطلع منها ما شاء من خلقه .
}يابني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير{
قال الشوكاني في الآية : إن الله لطيف لا تخفى عليه خافية ، بل يصل علمه إلى كل خفي ، - سبحانه - وهذا يستلزم 
من العبد تعظيمه ومراقبته في السر والعلن ، في السكنات والحركات ، فكلما زاد يقينه بلطف علم الله تعالى كلما ازداد
مراقبة له وحياء منه في خلوته وجلوته . 

3. / محبة الله بمعرفته باسمه اللطيف المتضمن لمعنى عظيم من معاني الجمال ، فرفقه - سبحانه - بعباده وايصاله
مصالحهم بطرق خفية من وصوف الجمال التي تورث من تحقق بمعرفتها محبته سبحانه والتعلق به .

4 ./ عدم الياس والقنوط من رحمته - سبحانه - ، وإحسان الظن به مهما تكالبت الخطوب واشتدت النوازل ، فلربّ فرج 
عظيم في باطن ضيق وهم ، ولرب سعادة دائمة غُلفت بشقاء عابر .

 يقول ابن القيم عن يوسف - عليه السلام - : فكان ظاهر ما امتحن به يوسف من " مفارقة أبيه ، وإلقائه في السجن ، 
وبيعه رقيقاً ، ثم مراودة التي هو في بيتها عن نفسه ، وكذبها عليه ، وسجنه " محنًا ومصائب ، وباطنها نعمًا وفتحًا ، 
جعلها الله سببًا لسعادته في الدنيا والآخرة ، فقضاء الله كله خير للعبد المؤمن إن صبر واحتسب وأحسن الظن في
اللطيف الخبير- سبحانه - .

إن من عظيم رفقه سبحانه بعباده أنهم مكلؤون بحفظه ورعايته منذ كان احدهم قطرة في ظهر ابيه ، إلى أن يحين
وقت الخروج من الرحم .
ولا يكون له ذلك إلا بلطف الله ورحمته ، ثم ييسر له قوته من أحب وأقرب مكان إليه ، ويعرف طريقه ، ثم يكون له
منه الحفظ والرعاية في حياته .
واعظم ما رفق من الرب بالعبد ان يوفقه للهداية والاستقامة على المنهج الذي يرضاه من عبده ، ويعصمه من الذنوب ، 
وإن وقع في شيء منها يسّر له طريق التوبة والرجوع فصار عبدا تواباً أوأباً.
فسبحان اللطيف الذي ليس كلطفه شيء . وهذا الأثر الخامس والأخير ..


انتهى تحليقنا مع اسمه اللطيف ، نودّ منه إيصالُ رسالة لكل مؤمن أن يحسن الظنّ بربه اللطيف، 
وأن يتأمل اسمه اللطيف وكل اسماءه جل وعلا ليدرك المسيء أن في إيمانه خللٌ إذ هو أساء الظن بربه . وبلطفه سبحانه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق